من هو فيرغي تشامبرز
أصبح فيرغي تشامبرز المقيم في تونس منذ بضعة أشهر فقط إسما بارزا في الساحة الرياضية التونسية، وإذا كما الحال إسما مرتبطا بالنادي الإفريقي فهو في قلب الفضاء العام والمجتمع لأن جماهير هذا الفريق هي حالة اجتماعية شديدة الفرادة والخصوصية ولعًا وحضورا وتفاعلا. المليونير الأمريكي المناهض للرأسمالية والماركسي الذي اعتنق الإسلام استجلب الأنظار بفضل دعمه المالي الكبير لأحد أبرز الأندية التونسية لكرة القدم. فمن هو هذا "الثوري" الثري الذي يسعى للدفاع عن قضايا "الجنوب العالمي"؟ وما هي الثورة التي يطمح إليها هذا الشاب المنحدر من عائلة باذخة الثراء ضد مجتمعه الأصلي الرأسمالي الليبرالي؟ وكيف يمكن أن يشكل تمويل نادٍ شعبي في شمال إفريقيا جزءًا من تلك الثورة التي يتخيلها. ما أحلامه في بلد مثل تونس، التي خابت فيها آمال الثورة فضلا عن آمال جمهور النادي الإفريقي في تحقيق "ثورة" رياضية تعيد الفريق إلى أمجاده المفقودة منذ ثلاث عقود؟
عبر رسالة على منصة X في 2 يوليو، أوضح جيمس كوكس تشامبرز جونيور، المعروف باسم "فيرغي" تشامبرز: "يسعدني جدًا أن أؤكد أنني المستثمر الأمريكي في النادي الإفريقي. شركة كوكس لا علاقة لها بهذه الصفقة. إنها شركة عائلتي ولا أنتمي إليها. أستثمر بشكل فردي وسنقوم بإنشاء شركة لتطوير الرياضة في تونس."
في البداية، كان الأمر يبدو أقرب إلى الشائعة منه إلى الحقيقة، حيث انتشرت أخبار عن ملياردير أمريكي شاب ينوي استثمار ثروته في تحسين أوضاع النادي الإفريقي، أحد الأندية الأسطورية في العاصمة. ولكن نظرًا لعدم شهرة اسم كوكس في تونس، بدأت الأوساط الرياضية ومشجعي النادي الإفريقي يتساءلون عن نوايا هذا المستثمر الغريب.
أي مناخ استثمار في كرة القدم التونسية اغرى هذا الفتى، فرغم احترافية الدوري التونسي على الورق فإنه لا يعدو عن بنية تحتية متهالكة، وملاعب غير مؤهلة وفق معايير الاتحاد الإفريقي لكرة القدم (CAF)، ومشاريع ملاعب متوقفة بسبب الفساد، ورئيس لاتحاد اللعبة مسجون منذ أشهر، وفراغ إداري في الاتحاد التونسي لكرة القدم لم يتم تداركه إلا منذ أيام بتعيينات مسقطة من الفيفا، ومباريات تُلعب خلف أبواب مغلقة، وعندما تُلعب أمام الجمهور، تنتهي غالبًا بمواجهات عنيفة بين المشجعين وقوات الأمن. ما كان يبدو كآمالٍ ثورية تحول إلى فوضى عامة. فلماذا إذن يخاطر وريث أمريكي ثري بالتورط في هذا الوضع المعقد؟
سليل عائلة تقف بساق في عالم المال وأخرى في عالم السياسة
جيمس كوكس تشامبرز ينحدر من عائلة تجمع بين القوة المالية والنفوذ السياسي. هو الحفيد الأكبر لجيمس ميدلتون كوكس، الذي شغل منصب عضو الكونغرس الأمريكي وحاكم ولاية أوهايو، وكان مرشح الحزب الديمقراطي لرئاسة الولايات المتحدة في عام 1920. بدأ الجد مسيرته المهنية في صحيفة "سينسيناتي إنكوايرر"، وهي صحيفة محلية، ومن هناك بدأ ببناء إمبراطورية إعلامية ضخمة تحت اسم "كوكس إنترپرایزز". هذه الشركة، التي وصفها الحفيد بأنها "رأسمالية وفاسدة كغيرها"، تُقدر قيمتها اليوم بأكثر من 37 مليار دولار، وكانت مخصصة لوراثة تشامبرز قبل أن يقرر قطع علاقته بأسرته والاكتفاء بمبلغ 250 مليون دولار لتمويل أحلامه الثورية.
ولد فيرغي تشامبرز عام 1985 ونشأ في نيويورك مع والدته، حيث التحق بمدرسة "سانت آنز" المرموقة في بروكلين. في مقابلة مطولة مع مجلة "فانيتي فير"، تبين أن تشامبرز نشأ في بيئة برجوازية بوهيمية مليئة بالفنانين، وبدأ في قراءة كتابات ماركس ولينين بفضل أحد أساتذته في المدرسة، مما أثار اهتمامه بالشيوعية. منذ صغره، واجه مشاكل نفسية أدت إلى دخوله وخروجه من مستشفيات الأمراض النفسية، ثم إلى مراكز إعادة التأهيل من الإدمان. وعند سؤاله عن سنوات دراسته الثانوية، قال: "لقد أدركت أن المخدرات كانت الحل الوحيد الذي قدمه لي المجتمع الليبرالي الغربي".
استمرت معاناته مع الإدمان خلال فترة الجامعة، حيث درس في كلية بارد بولاية نيويورك. خلال تلك الفترة، اعتنق الكاثوليكية، قائلاً إنه وجد فيها الراحة. تزوج في سن 21 من امرأة روسية وأصبح أبًا بسرعة. زيارته المتكررة إلى موسكو وسانت بطرسبرغ غذّت حبه لروسيا، وأصبح مولعًا باللغة والأدب الشيوعي. بعد بضع سنوات، اعتنق المسيحية الأرثوذكسية، متبعًا ديانة زوجته وأطفاله الثلاثة. هذا الميل لروسيا قاده لاحقًا لدعمها في هجومها على أوكرانيا، بل والانضمام إلى النزاع في دونباس كصحفي حربي.
لم يدم الاستقرار العائلي في حياة فيرغي تشامبرز طويلًا، حيث سرعان ما عاد إلى دوامة الإدمان ومشاكله الشخصية، مما أدى إلى انهيار زواجه ودخوله في مرحلة جديدة من الفوضى: المخدرات، السجن، والعلاقات العاطفية المضطربة. أصبح فيرغي أكثر تطرفًا على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث عبّر بشكل واضح عن كراهيته للرأسمالية وأعلن عن طموحاته الثورية.
تشكلت رغبته في قلب النظام السائد كرد فعل على بيئته الاجتماعية، وظهر ذلك من خلال مشاركته في عدة نضالات سياسية. قال إنه يسعى ليكون «شخصًا سياسيًا بفعالية»، وانخرط فيرغي في حركة "احتلوا وول ستريت" وأصبح أحد داعميها الماليين، كما شارك في الاحتجاجات التي اندلعت بعد مقتل مايكل براون في فيرغسون. مايكل براون هو شاب أمريكي من أصول إفريقية (18 سنة) قُتل بعد إطلاق النار عليه 6 مرات على الأقل من قِبل ضابط شرطة أبيض البشرة يسمى «دارن ويلسون». كما شارك فيرغي في مؤتمرات مناهضة للعولمة وفي مقابلة مع صحيفة "إير ميل" الأمريكية، قال: «الأشخاص الذين يعانون أكثر من النظام هم غالبًا الأقل قدرة على طرح أفكار لقلب هذا النظام. أما النخبة الذين يتخلون عن جذورهم، فهم من يشكلون الطليعة الفكرية».
القطيعة النهائية بين فيرغي وعائلته حدثت عندما قامت إمبراطورية "كوكس" بتمويل مركز تدريب السلامة العامة في أتلانتا، المعروف باسم "كوب سيتي". عارض فيرغي بشدة إنشاء هذا المركز البالغ تكلفته 109 ملايين دولار، والذي سيُستخدم لتدريب الجيل القادم من رجال الشرطة، واعتبره "فن القمع". ومع وجود وشم "ACAB" (جميع رجال الشرطة أوغاد) على رقبته، شارك فيرغي في الاحتجاجات ضد "كوب سيتي" وساهم في تمويلها. خلال هذه الفترة، أعلن أيضًا عن انفصاله المالي عن إرث عائلته.
تحولت حياة فيرغي الشخصية بشكل كبير بعد لقائه بـستيلا شنايبل، ابنة الرسام والمخرج جوليان شنايبل وزميلته السابقة في مدرسة سانت آن. وقع الاثنان في الحب وانتقلا للعيش معًا، ورُزقا بطفل، وهو الرابع لفيرغي. انتقلت العائلة إلى بيركشاير بولاية ماساتشوستس، حيث قام فيرغي بشراء أراضٍ بهدف تأسيس "كومونة" تجمع مناهضي الرأسمالية والعالميين البديلين، وأعلن نفسه "الأمين العام" لها. وكما فعل في أتلانتا، استثمر أمواله في ماساتشوستس من خلال إدارة صالات رياضية والاستثمار في أندية MMA والجوجيتسو.
الإنتصار للحق الفلسـ._طيني والمقـ._او.مة ومعاداة إسـ._.رائيل
بعد هجمات 7 أكتوبر 2023، ومع اعتباره حركة حم._.اس حركة مقاومـ_ة شرعية، بدأ فيرغي تشامبرز يوجه انتقادات لاذعة للكيان الص._.هيوني، مما أثار غضب السلطات الجمهورية في ولايته. تعاون مع جمعيات مؤيدة لفلسطين وقدم لها تبرعات كبيرة، مبررًا ذلك بأن الأموال "المكتسبة بغير حق" يجب أن تستخدم لدعم "قضية عادلة". تصريحاته القوية ضد الولايات المتحدة ومواقفه المعادية للصهيونية، إضافة إلى مشاركته في أعمال شابها العنف، جعلته محط اهتمام السلطات القانونية. وتساءلت الصحافة الأمريكية عما إذا كان هذا هو السبب وراء انتقاله إلى تونس، البلد الذي لا تربطه اتفاقية تسليم مع الولايات المتحدة.
بالنسبة لفيرغي، الذي يبلغ من العمر 39 عامًا، تونس تتوافق تمامًا مع مسيرته النضالية من أجل "الجنوب العالمي". أوضح لـ Air Mail: "نحن نطور الكثير من النظريات في الولايات المتحدة، لكنها غير متجذرة في المقاومة الدولية. وجودي في العالم الإسلامي، في الجنوب العالمي، بالقرب مما يحدث في غرب إفريقيا، فلسطين، وحتى في أوكرانيا، يجعلني أشعر بأنني أقرب إلى هذه القضايا."
انضم فيرغي إلى زوجته وابنه في تونس واعتنق الإسلام، وتبعت زوجته ستيلا نفس الخطوة. وقال: "عندما قرأت القرآن، وجدت فيه إجابات على الأسئلة التي كانت تؤرقني لسنوات حول الإيمان والتفاني. بدأ يجلب لي السلام الذي لم أشعر به من قبل. لسنوات، كنت أعتمد على الماريجوانا للتكيف مع الحياة. لكن بمجرد أن نطقت بالشهادة وبدأت أصلي خمس مرات في اليوم، لم أعد أشعر بالحاجة إلى الماريجوانا. توقفت عن تدخين الحشيش، وتخلصت من الشعور بالقلق الذي كان يرافقني."
النادي الإفريقي: رمز الثورة والمـ_قاومة
يبدو أن شغف فيرغي تشامبرز بالنادي الإفريقي قد نبع من تاريخ هذا الفريق الأحمر والأبيض. تأسس النادي عام 1920 واكتسب شهرة كمقاوم شرس خلال فترة الاستعمار، وأصبح رمزًا لـ"الطبقة الكادحة". جماهيره تملأ المدرجات حتى في أصعب الأوقات، مرددين شعارات احتجاجية ورافعين لافتات تمرد. لكن النادي الإفريقي لم يسلم من الأزمات، خاصة بعد الإدارة المالية الكارثية التي عانى منها في السنوات الأخيرة. فقد شهدت فترة 2012-2017 تولي رجل الأعمال سليم الرياحي إدارة النادي. كان الرياحي، الذي أثيرت حوله شكوك حول مصدر ثروته، يستخدم النادي كوسيلة لتحقيق طموحاته السياسية. وبعد صدور مذكرة توقيف بحقه، فر من تونس، تاركًا وراءه ديونًا ضخمة لا يزال النادي يكافح للتخلص منها.
وبما أن الأندية الرياضية في تونس تُدار كجمعيات غير ربحية، فإنها لا تستطيع العمل وفقًا لنفس النماذج المالية التي تتبعها الأندية في بقية أنحاء العالم. وهنا يُطرح السؤال حول دور فيرغي تشامبرز. هل يتعلق الأمر برعاية مالية؟ أم باستثمار؟ تظل تفاصيل هذه الصفقة غامضة من جانب إدارة النادي الإفريقي ومن فيرغي نفسه، مما أثار استياء الأندية المنافسة. ومع ذلك، يشدد فيرغي على أن جميع أعماله ستتم ضمن إطار قانوني وبالتنسيق مع السلطات الرياضية في البلاد، كما أكدت وزارة الشباب والرياضة في بيان لها.
علاوة على ذلك، يبدو أن فيرغي تشامبرز يجد متعة خاصة في حياته بتونس. في كل ظهور له، يحرص على ارتداء عناصر من الملابس التقليدية المحلية. وكأنه يسعى لتعزيز اندماجه في مجتمع منهك من الثورة، لا يكتفي بالخطاب الثوري، بل يلجأ أيضًا إلى الفولكلور. يشارك على وسائل التواصل الاجتماعي رحلاته بين المقاهي الشعبية في المدينة العتيقة والشواطئ الراقية في الضواحي، ويتردد بانتظام على المدرجات خلال مباريات كرة القدم أو كرة السلة، حيث يهتف بحماس بالعربية – وهي لغة بدأ يتقنها – لتمجيد ناديه المحبوب، النادي الإفريقي.
ويكتب على فيسبوك: "وقعت في حب روح المقاومة والهوية العمالية لهذا النادي منذ وصولي إلى تونس العام الماضي. لطالما حلمت بالانضمام إلى نادٍ لتمكين المشجعين، وليس لاستغلالهم [...] إنه شيء نابع من حب الرياضة والثقافة، وليس من المال."