في ظروف غامضة.. العثور على الطبيب زكريا بوقرة متوفيا داخل منزله بالمرسى

zakaria-bouguira-tunisie


أذنت النيابة العمومية بالمحكمة الابتدائية بتونس، صباح اليوم الخميس، بفتح تحقيق قضائي شامل ومباشرة الأبحاث الأولية للكشف عن جميع الملابسات المحيطة بوفاة الطبيب المعروف زكريا بوقرة، في حادثة أثارت موجة من التساؤلات والحزن في الأوساط الطبية والإعلامية.

ووفقًا للمعلومات الأولية التي توفرت للوحدات الأمنية التابعة لمنطقة الأمن الوطني بالمرسى، فقد تم تلقي إشعار في الساعات الأولى من صباح اليوم الخميس يُفيد بالعثور على الطبيب زكريا بوقرة جثة هامدة داخل مقر سكنه الكائن بأحد الأحياء السكنية الهادئة بمدينة المرسى، الضاحية الشمالية للعاصمة.

وحسب نفس المعطيات الأولية، فإن أحد أفراد عائلة الطبيب هو من تفطّن لوجود الجثة داخل غرفة الاستحمام، حيث لاحظ غياب الطبيب لفترة طويلة بشكل غير معتاد، ما دفعه إلى تفقده داخل المنزل ليكتشف الواقعة الأليمة. وبمجرد التأكد من الوفاة، تم إعلام الوحدات الأمنية بالجهة، والتي تولت التنقل على وجه السرعة إلى المنزل المذكور، وقامت بدورها بإشعار النيابة العمومية لبدء الإجراءات القانونية.

وعلى إثر البلاغ، تحولت الفرق الأمنية المختصة إلى عين المكان، مرفوقة بممثل النيابة العمومية وقاضي التحقيق المتعهد بالملف، للقيام بالإجراءات القانونية اللازمة والمعاينات الميدانية الأولية التي تسبق عادة كل بحث جنائي في حالات الوفاة المسترابة أو الغامضة.

وقد تم لاحقًا نقل جثمان الفقيد إلى قسم الطب الشرعي التابع للمستشفى الجامعي شارل نيكول بالعاصمة، حيث سيتم إخضاع الجثة للتشريح الطبي الدقيق بإذن من النيابة العمومية، وذلك بهدف تحديد الأسباب العلمية والطبية الدقيقة التي أدت إلى الوفاة، مع إمكانية إجراء تحاليل إضافية عند الاقتضاء، للتأكد من عدم وجود شبهة جنائية أو أسباب خارجة عن النطاق الطبيعي.

وتجدر الإشارة إلى أن الدكتور زكريا بوقرة كان يُعرف في الوسط الطبي والإعلامي بمواقفه الصريحة ونشاطه المهني المكثف، خاصة خلال فترة جائحة كورونا، حيث لعب دورًا بارزًا في التحسيس والتوعية الصحية، وهو ما جعل خبر وفاته المفاجئة يترك أثرًا عميقًا في نفوس متابعيه وزملائه في المجال الطبي. وقد تداول العديد من النشطاء على منصات التواصل الاجتماعي خبر الوفاة، معربين عن صدمتهم الكبيرة، مطالبين بكشف الحقيقة في أسرع وقت ومحاسبة كل من قد يكون له علاقة إن ثبت وجود شبهة في الوفاة.

ولا تزال الأبحاث الأمنية والقضائية جارية في إطار احترام سرية التحقيق، ومن المنتظر أن تكشف الساعات أو الأيام المقبلة عن معطيات إضافية قد تسلط الضوء على طبيعة هذه الوفاة المفاجئة وظروف حدوثها، في انتظار ما ستسفر عنه نتائج التشريح الطبي وتحاليل الأدلة الجنائية.


من هو الطبيب زكريا بوقرة zakaria bouguira 


يُعد الدكتور زكريا بوقرة من الأسماء البارزة في الساحة الطبية والإعلامية في تونس خلال السنوات الأخيرة، خاصة خلال فترة تفشي جائحة كوفيد-19. هو طبيب مختص في التخدير والإنعاش، وقد عُرف بمواقفه الجريئة ومداخلاته المثيرة للجدل، حيث لم يتوانَ عن دق ناقوس الخطر إزاء تدهور الوضع الصحي في البلاد، مُطالبًا بتطبيق إجراءات وقائية صارمة، من بينها فرض حجر صحي شامل، حفاظًا على أرواح المواطنين ومنظومة الصحة العمومية.

تلقى الدكتور بوقرة تكوينه الطبي في كلية الطب بتونس، ثم التحق بالقطاع العمومي، حيث مارس مهامه كطبيب مختص في أقسام الإنعاش والعناية المركزة، مما جعله في مواجهة مباشرة مع الحالات الحرجة والضغوط اليومية التي فرضتها الجائحة. خلال تلك الفترة، ركز جهوده على التوعية بمخاطر الفيروس، وعبّر مرارًا عن استيائه من النقص الحاد في الإمكانيات الطبية، خاصة ما يتعلق بالأكسجين والأسرة الاستشفائية.

وبالإضافة إلى نشاطه المهني، كان الفقيد معروفًا أيضًا بانخراطه في العمل المدني والحقوقي، إذ سبق له أن واجه مضايقات على خلفية توثيقه لحادثة عنف أمني سنة 2011 في مطار تونس قرطاج، وهي حادثة أثارت حينها نقاشًا واسعًا حول التجاوزات الأمنية وحرية التعبير.

تميز الدكتور بوقرة كذلك بحضوره القوي على منصات التواصل الاجتماعي، خصوصًا على موقع فيسبوك، حيث استخدم صفحته كمنبر لإيصال مواقفه وتحليلاته حول الشأن الصحي والسياسي، مما أكسبه جمهورًا واسعًا من المتابعين الذين كانوا يتفاعلون مع منشوراته بكثافة. وقد ساهم هذا النشاط الرقمي في تعزيز حضوره الجماهيري، لكنه في المقابل جعله عرضة للانتقادات وحتى للملاحقات القانونية في بعض الفترات.

وفاة الدكتور زكريا بوقرة المفاجئة شكّلت صدمة كبيرة لدى شريحة واسعة من التونسيين، الذين عبّروا عن حزنهم العميق وترحمهم عليه، مؤكدين أن صوته سيظل حاضرًا في الذاكرة الجماعية، خصوصًا لما مثّله من جرأة في الطرح وإخلاص في أداء الرسالة الطبية والإنسانية.

رحمه الله وأسكنه فسيح جناته، وألهم عائلته وكل محبيه جميل الصبر والسلوان.




أحدث أقدم

نموذج الاتصال